الأربعاء، سبتمبر 08، 2010

ما لا أود نسيانه

اعتدنا أن ندرس بأسلوب معين في مؤسساتنا التعليمية، اعتدنا على أسلوب التلقين ، عودونا أن نتشبع بأفكارهم و أن نتأثر بآرائهم دون أن نشعر ، لا أحد أعطانا حرية التفكير إلا بعضاً منهم - من أحمل له من الامتنان و الشكر الكثير- ، فهم من سمحوا لنا أن نحلل و نناقش و نستنتج ...




و هذا المقال الذي تذمرت كثيرا حال طُلب منا كتابته و كنت من أشد المعارضين له مضموناً و توقيتاً ، ربما لأني - كما البقية - لم أعرف هدفه و مغزاه قبل البدء بالكتابة و قد تعمد معلمنا هذا ، إذ أنه أراد معرفة ارتباطنا بالعمران دون أي افتعال أو تزييف أو ادعاء منا لنيل رضاه فقط ، إنه أراد أن تكون النتيجة التي سيصل إليها تحمل مصداقية و شفافية رغم قسوتها .

انه حرر تفكيرنا ، و احترم مشاعرنا الإنسانية و إحساسنا ، جعلنا جميعا نعبر عما يجول بخاطرنا ليعرف مدى ارتباطنا بالعمران و كيفية تعاملنا مع الشارع ... مع الساحة ... مع الحي ... مع المبنى .

انه أراد ترسيخ مفهوم احترام الإنسان و زيادة ارتباطه بالعمران و إحساسه بروح المكان بطريقة ذكية غير مباشرة و هي أن يقرأ الشخص فينا ما كتبه البقية و يرى مدى تأثير اندثار بعض ملامح الشوارع و المساكن علينا و يشعر كل منا بخطورة إهمالنا لهذا الارتباط و استهانتنا به .


و هذا ما كتبته أنا و كل الشكر لمن أعطاني هذه الفرصة ....


لا شَئَ يُطْبقُ عَلَى النّفْسِ أَلَماً مِثْلَمَا تُطْبقُ الحُروبُ عَلَى نُفُوسٍ الشُعُوبِ التي تُعَايشُهَا حَيْث تَقْتَحِمُ هُدُوءَ حَيَاتِهِم ، تَحْرِقُ ذِكْرَيَاتِهِم ، تُدّمرُ الإنْسَانِيَةَ بِدَاخِلِهِم ...

كَيْفَ يَنْدَثِرُ التّاريخُ ، و كَيفَ تَضِيعُ مَعَالِمُ العُمْرَانْ ، و تَخْتَفِي هَويَةُ الشُعُوبِ وَرَاءَ الدّمَار !!

ألا إِنَهَا الحَرْبُ لُعْبَةً - إنْ شِئْتُ اُسْمِيهَا - تَحْفُرُ في أَذْهَانِنَا صُورَةً قَاسِيَةً عَنْ ظُلْمِ البَشَرِ في الأَرْضِ ...

لا تَسَلْ عَنْ إحْسَاسِي ... هَذَا مَا أَرْدتُ قَولَهُ حِينَ طُلِبَ مِنِي الكِتَابَةَ عَن المَوضُوعِ ... و الحَقِيقَةُ أَنِي لا اَذْكُرُ سِوَى أًنّ الحَربَ أَصْبَحَت مِنَا ... و مَا اخْطَرَ ذَلِكَ ، أَكُلُ هَذَا الظُلم والعُنْف أَصْبَحَ مِنّا ... اعْتَدْنَا عَلَى شئ زَرَعَ فِي نُفُوسِنَا كُرْهاً و قَسْوَةً و حِقْدًا و انْتِقَاماً ...

إنّ لِكُلِ شَئٍ فِي حَيَاتِنَا مَعْنَىً و ذِكْرَى ...فَكُلُ مَكَانٍ عِشْنَا فِيهِ يَتْرُكُ فِينَا أَثَراً خَاصاً ، يَجْعَلُنَا فِي حَنِينٍ دَائِمٍ و لَهْفَةٍ غَامِضَةٍ لِلِفَترَةِ التّي عِشْنَاهَا فِي ذَلِكَ المَكَان .

فَلَمْ اَشعُرَ بِقوةِ لَهفَتِي ،وكِبَرِ أَلَمِي و حَسْرَتِي ، إلا حِينَ خَرَجتُ من مَنْزِلِي بَعْدَ أنْ وضَعَتْ الحَرْبُ أَوزَارَهَا أَتَفَقَدُ مَدِينَتِي و الطّريقَ التي لطَالَمَا وصَلتُ من خِلالِهَا إلى مكَانِ إقَامَتِي و لكن وَقَعَ بَصرِي عَلَى بَقَايَا أَحْجَارِ مَسْجِدٍ كَان بالقُربِ من بَيتِي ، فَلَاحَ لِي طَيْفُ صَلاتِي و أَنَا في ذاك المَسجد و شَعرت بحقدهم على ديننا و أدرَكْتُ سَعْيَهُم لإبْعَادِنَا عن عقيدتنا التي في فًحْوَاهَا قوتَنَا و ضَعْفَهُم ....

سَمعْتُ تَجَاربَ و قِصَص الضّيَاعِ عن قتلِ الحَجرِ ، عن قتلِ البَشَرِ، فَقَالَ الذين فَقَدْوا السكَنَ انَه فُقْدَانُ الوَطَن و لَخَصُوا تَجْرُبَتَهُم ما بَيْنَ آلَام و صَبر و أَمَل ، عَيْنٌ لا تَرَى إلا الأَنِينَ إذَا اشْتَعَلْ ، وفَمٌ يُرَدِدُ بَعضَ أَبْيَاتِ الزّجَلْ ، و سَألْتُهُم مَاذَا عَن الأَثَر قَالُوا : أتَسْأَلنَا عَن الأَثَر !!

اومَا ترى الرُكَامَ الجَمِيلَ الذِي زَوَدَ هذه المَدِينَةَ بِمَعَالِمٍ جَدِيدَةٍ تَترُكُ للأَجْيَالِ القَادِمَةِ ..

رُكَامٌ جَمِيلٌ !! يَصْوغ مَلْحَمَةَ الأَزلْ

كُلُ البَشَرِ تَرّقَبُوا فَلِلِحَرْبِ مَركَبة تَسيرُ عَلى عَجَلْ

الكُلُ حَذرٌ من غَدرِهَا فَلَا تَقْتَرِف أَيُهَا المَبْنَى إِثْمَ الرُكُونِ لِرَاحَةٍ فَقْدْ يُفُاجِئَكَ الأَجَل

فَفِي ثَقَافَتِهِم كُلُ مَا عَلَى الأَرضِ مُذْنِب

لَستُ بِصَدَدِ الحَدِيثِ عَن مَا أَسْمَيْتُه تَدمِيرَ العَمَارَة وطَمسَ الحَضَارَةِ فَمَا إبَادَةَ أَحْيَاءٍ بِكَامِلِهَا و مَسحَ جَميعَ مَلَامِحِهَا إلا مُحَاوَلَةً لإثبَاتِ صُورَتِهِم المُجَرَدَةَ مِن الشُعُورِ .

يَهفو بِأعْمَاقِي أَلف عَاطِفَة ، يَهرُبُ كُل كَلَامِ المَعَاجِمِ إذَا أردْتُ الحَديثَ عَنْهَا ، و لَكِنِي أؤمِنُ أنّ الجُرْحَ يُحيينَا ، يُقَوينَا ، يُعَلِمُنَا مَعْنَى الحَيَاةِ ، ويَصْنَعُ مِنَا أَنْفُسَنَا ،و يُغَيِرُ نَظْرَتَنَا إلى الأشْيَاء .

و ما لَنَا إلا أن نَنْتَظِرَ عَدَالَةَ السّمَاءِ لتَمسَحَ البُؤسَ والشَقَاءَ مِن أَعْمَاقِنَا و تُحَقِقُ كُلَ أحْلَامِنَا و تُرجِعُ أًشيَائَنَا الضّائِعَةِ ، وتُغْدِقُ عَلَينَا من العَدْلِ و الأَمَانِ .

3/3/2009

هناك 10 تعليقات:

  1. رغدتي ،
    لا شئ يجعل هذا الجيل أكثر حماقةً سوى أسلوب التعليم ،
    فلا يعلمونهم إلا من أجل التحصيل الدراسي النهائي ،
    فلا أحد يهتم باكتشاف القدرات .. المواهب .. الابداعات ، فبعضهم يحاولون التقليل منها .. او حتى طمسها !
    لا أًنكر أن هنالك ممن يحاولون تنمية القدرات ، كما قلتِ - أحمل لهم من الشكر و الامتنان الكثير -
    تعلمين ،
    هنالك منّا نحن الطلبة ، من يحاول أن ينمّي قدراته .. و يجعل من نفسه شخصاً يُعتمدُ عليه ..
    فلا يجب أن نضع كل الحق فقط على الأسلوب التعليمي و إن كنّا لا ننكر تأثير هذا الأسلوب على ذلك ،

    لا علينا .. !

    حين قرأتُ ما كتبه قلمكِ عن الحرب ،
    تمازحت الأحاسيس ،
    ألمٌ لما فعله المخرّبون و أملٌ فيكم بالتعمير


    على فكرة ، أُعجبتِ بالصورة :)
    فشعرتُ بأنها تعبّر عن النظام التعليم عندنا :)

    بـسـ ماهر ـمة

    ردحذف
  2. تعجز حروفي و كلماتي عن الوصف !

    على رأي بسمة , لا علينا ! :)

    بداخلي الكثير و الكثير من التعليقات , و لكن بهذه اللحظة لا يتملكني سوى ذهول و إعجاب يفوق الإعجاب ذاته ,

    عزيزتي ,,

    وجودَ أناس كـ أمثالكِ بعصرنا صعبً و يكاد يكون معدومً , أن بدأت في انتقاد سلك التعليم الحالي لن انتهي ..

    و لا أجد اجمل من انطلاقة فكرية , و تحرر عقلي , لِتأمل في الوضع الراهن , فَ ما حروفنا سوى بضعة من احساس نابع من القلب و العقل سوياً

    ربما البعض يحاول تجريد كل شيء من محتواه و طمس كل شيء , و البعض يحيّ كل شيء ولا يستبعد صغائر الزكريات و يحاكي كل جزءً بحياته يعشقهُ عشقاً , فما حياتنا سوى أجزاء و لحظات تعيشنا و نعيشها ,

    أعجابي يفوق الإعجاب , و شخصكِ يفوق الروعة .. حروفكِ و كلماتكِ تزيدونا أملاً بتلكَ الحياة , فَ أنتِ خيّرُ زاد ..

    لا أجد بكِ المعمارية فقط , لقد جمعتي المُفكرةَ العظيمة و الكاتبة الأدبية المحترفة ,

    أتمنى لكِ كل التقدم و مزيداً من التألق ,

    حقاً و لأول مرة أعجز من الذهول , و لكن لي عودة اخرى بإذن الله :)

    بسبس ♥ , كلامك رائع , بتعرفي تكتبي يا ضرساانة :P

    ردحذف
  3. أعتدت أن أرى الجانب السئ من الفكــرة فكلمـات الاعجاب والثناء على الفكر الواضح من الموضوع
    كثيــرة ومتداولة والأغلب يستعملونها لوصف شعورهم تجاه تلك الكلمات المعبرة " هذا المعتاد "
    ولكني دائماً اطمح لأن أكسر حاجز العادات والتخلق بما هو جديد ونادر
    فأستعمل أسلوب النقد البناء وأتناسى جانبه الجيد ..

    نأتي لمَ هو مفيد :) :
    لفتني في موضوعكِ هذا الكثــير والكثيــر ،،
    موضووع التعليم سواء كان في فلسطين أم غيرها
    يعتبر أيضاً حلقة نقاش وابداء آراء " كعادتي أُحوّل هذه النوعية من المواضيع الى نقاش جاد وابداء رأي ناصح "

    برأيي لا نلوم تعليمنا فهو يكفي ويوّفي نظراً للامكانيات المتوافرة ،، فالمبدع مبدع بنفسه وبفكره
    طبيعي انه يحتاج الى تحفيز وتطوير من البعض لكن يبقى فكره حر وسامٍ
    ويكون تكريمه أعظم باعتماده على نفسه اكثر من غيره ..

    بالنسبة للحرب كلماتك لا جدل فيها ،، فكلٌ منا ذاق الأمرين وعاش تجربة خاصة
    فأنتِ استطعتي ترسيخ العمارة وربطها بالحرب بصورة جذابة

    لربما كرهـت الهندسة وكلمة مهندس تزعجني " كما تعلمين :) "
    لكني أرى بالعمارة شئ حي وصورة متجزئة من الواقع وهذا ما يلفتني بها ويميزها برأيي عن باقي انواع الهندسة

    فما يلامس واقعنا يصل قلبي دون استئذان كشخصكِ عزيزتي

    رنيـ مازن ـم

    ردحذف
  4. يبدو أن موضوع النظام التعليمي هو ما لفت انظاركم هنا ،
    ربما كان الحديث عنه هنا على هامش الموضوع رغم أهميته ، و لكني كما قالت رنيم لا أريد الدخول في نقاش عقيم رغم قدرتي على خوضه ، و لكن حذراً من أي سوء فهم ناتجٍ عن هذا النقاش ...

    بسمة ... أحترم رأيك كتيرا و تعقيبي الوحيد على كلامك هو شكري العميق على أملك الذي أرجو أن يكون موجودا عند الجميع في تعمير هذه البلاد ...

    شروق ... لا أجد نفسي أستحق ما نعتيني به ، و على اي حال شكراً لك ، أعلم أن تعليقي هنا سيغضبك و لكني لا أرى في نفسي كل هذا ، معمارية شهادتي هكذا تقول ،أما مفكرة و كاتبة و أديبة فلا شهادتي و لا أي شئ حتى الآن يثبت هذا رغم أمنيتي أن أكون كذلك ...
    أعتز جدا برأيك و أضعه و ساماً على صدري و أبقى عمراً كاملاً أردد شكري ...

    رنيم ... أحترم جداً نقدك البناء ، و أعلم أنك مثلي تحبين كسر حاجز العادات لذا احترم رأيك و نصحك ...
    أعلم كم تكرهين رابطة المهندسين كما يقولون و أحترم جداً رأيك رغم اختلافي معك به ...
    لا أريد الحديث عن العمارة التي طالما جعلتني أكثر ارتباطاً بالواقع و بالناس و بمشاكلهم ...

    كلامكم جميعاً لامس شغاف قلبي و أسعدني و لكم جزيل الشكر على وجودكم الذي زاد شرف مدونتي ...

    ردحذف
  5. رغدة لامست كلماتك قلبى ووجدانى واثارت فيا الكثير من الذكريات الجميلة والسيئة حروفك جعلتنى اتذكر كم فى قلوب البشر من قسوة فظة و كم فى قلوب اخرين من حنان و رقة
    لا اجيد الكتابة كثيرا و لكن اشكرك فعلا و حروفك التى لامستى
    فعلا كما شهد لك الذين سبقونى انك كاتبة رائعة و مؤثرة قبل ان تكونى معمارية ناجحة ..

    نور ماجد :)

    ردحذف
  6. لن أزيد على ما قلتِ
    فقد أجدّتِ الوصف برغم صعوبته
    فأول ما يتملك الإنسان إن وقف على الركام.. الصمت، والمؤلمُ منه.

    كوني بخير
    وبعيدا عن أحلامٍ بدون ركام!
    فلا شيء يؤلم أكثر من حلمٍ زائف.

    ردحذف
  7. نور ... شكراً لمرورك هنا
    عندما يرحل السنونو ... شكرا لوجودك هنا
    وجودكم يزيدني شرفاً

    ردحذف
  8. سلامٌ بنكهة الموتِ ،، ثم ماذا بعد هذا السوط؟

    لن أسمح لحروفي أن تتجرأ على التعليم المبجّل -بارك الله في تعليمنا ورفعه مكاناً عليّاً – فالموضوع حاد بنفسه عن موضوعه!!! والمسموح عاد لرشده مع ممنوعه!! لكن الطريف الذكي الذي يُستنتج التالي:

    نحن لا نحتاج إلى دليلٍ أقوى يدلل حجتكم على التعليم غير أنه لو كان جيداً حقّاً لما أنساكم موضوع المقال وحاد بكم عن بلاد الحرب والقتال ،،،

    ثم أمّا بعد:


    هي الحرب الرائعة التي قربّت بين البيت وساكنه ،،حتى جعلت من جدران البيت جاراً لفؤاده المعصور ،،،،تاهت المعالم ،،فلا مدحٌ ولا رثاءٌ ولا وصفٌ وقد ملّت من الغزل ،،هكذا عشنا ما بين بين ،،ما بين آلامٍ مؤكدةٍ وأملٍ مُحتمل!!

    أختي، الدفن للموتى لزام،،لكن من يجبرنا أن ندفن ذكرياتنا مع الموتى الكرام؟!

    لن يموت هذا الشعب ما أعجبه!! من أي شيءٍ خلقه؟ من عزةٍ خلقه وقدّره،، ثم للشهادة يسّره،، ثم إن شاء نصره.

    أوما ترى غيث البطولة قد هطل؟؟!!أوما ترى جيلاً يخوض البحر في ثقةٍ ويخرجُ مبتهجَ البلل؟؟!!

    أهوى شموخك يا بطل.

    ردحذف
  9. محمود ...
    الحيود عن الموضوع لا نسيان للحرب ، و إنما تناسي ...
    أجدت و لا أود الاضافة على ما قلت

    شكراً ، حروفك تلملم ما يؤول له الكلام و تمضي تسعدني ...
    تسعدني بفهمك ما أرت و ما قصدت ...

    ردحذف
  10. رائعة ... أكثر من رائعة رغدة

    ردحذف

شارك برأيك