الجمعة، أبريل 29، 2011

أغمض لتُنصِت ،

و كأنها تعاتب الإصرار فينا


تدنو


فتنزع فرحتنا بنصرٍ


توهمناه حيناً بعد حينا


كأن لعبتها عصيان أمرٍ


يداعب أفئدتنا كمنتظرين


بريئة تصير..


تثير ضحكتها عطفاً


تراءى لها به أنّا رضينا


تضم أجفانها تحيك حُلماً


تجلّى فيه سر لفتتها الرقيقة

الثلاثاء، أبريل 19، 2011

و تذوب ،

تُفلِتُ السنوات من أعمارنا لأننا نرفض أن نعيش اللحظة ونُصّرُ على تكرار السؤال مرات و مرات، نتساءل هل بلغنا المراد، وهل انشغالنا بالهدف المنشود جرَفنا بعيداً عن متعة ما نعيش من لحظات ...

فتُقبل تلك الساعة التي يوشك فيها اليوم السابع عشر من نيسان أن يُدبر دون عودة و تضيق الكلمات بألسنة الذاكرة فيفاجئنا شريط اثنين و عشرين عاماً هارباً من أنقاض النسيان،

فيبدأ بصرخة الحياة و خلاص روح من تنازع أرواح، و ينبوعِ رَغَدٍ تمنوا أن يفيض فيملأ أمتعة عيشهم الفارغة حباً و أغنيات ، عينان صغيرتان لا تدركان إلا وجه أمٍ تألفُه و يدُ أبٍ تهدهده ، غموض بكاءٍ يُجبر ذاك الشاب - الذي طالما ضاق به ذرعاً إخماد نار قلبه التي تزداد اشتعالاً مع كل دمعة تُذرف – أن يصبح رجلاً سميراً ساهراً صبوراً ، و يُجبر تلك الشابة - التي كادت أن تفقد حياتها – أن تصبح امرأةً ماهرةً في الغناء و اللعب و كشف أسرار البكاء ، تمتلك من السحر الذي به ما إن بسطت يدها تلمس طفلتها حتى هدأت.

و لم تكد تكتمل السنتين حتى أتانا الرَهام يمطر قطرات مطر ناعمة على بيتنا الصغير و زاد عددنا فأصبحنا اثنتين، تسترق الأخيرة ببراءة ما اعتادت عليه الأولى في سابق عهدها فيزداد طيش الأولى و يُثار حنقها.

وما كادت تدخل السنة الرابعة حتى عُودنا عوداً أحمداً إلى تلك المناوشات اللطيفة، وإن كان البساط قد شُدّ من تحتي شيئاً فـشيئاً آنذاكـ لثقل مسؤوليات أمي إلا أن أحداً لم يستطع أن يمنع ملازمتي لأبي الذي كنت له ظلاَ.

و في منتصف السنة السادسة حلّ الربيع على بيتنا الدافئ وامتلأت أرجاؤه بحفيف ضحكاتٍ و بدأ يحفر في أعماق خوافقنا بسمة أبدية ، وحينها كنتُ أستعد للخروج وحدي إلى عالم أكبر، كان ينتابني حينها شعور بالنشوة لأني الآن فعلاُ بدأتُ أشعر أنني الأكبر، فقد كانت سذاجتي تُقنعني أنّي وصلتُ لهدفٍ طالما انتظرته، فالآن أستطيع أن أحمل حقيبة تحوي قلماً و كتاباً و دفتر، و أقصُ على من لم يسمح لهم سنهم بالذهاب إلى المدرسة مغامراتي التي كانت شيقة وقتها، و بدأتُ أًحيك نسيج تجاربي وعلاقاتي بالنهى و النيرة و الصفاء ، و بدأ يفوحُ عبير صداقاتي و رنا مني رفقاء التربية و الطفولة.

و الطريف في الأمر أنّي كنتُ دوماً الأكبر في أخوتي ، الأصغر في زميلاتي و ذلك لأني سبقتُ أقراني بالعمر باقتحام تلك التجربة و كان سبب ذلك تعطشي و شوقي للاكتشاف الذي أورثتني إياه ملازمتي لأبي.

كانت تتفتح لي آفاقٌ في السنوات الثمانية الأولى من حياتي ، فلا أكاد أطرق أي باب إلا و يُجاب، فكان ما يشغلني ببراعة تلك اللعبة التي نستطيع فيها تكونين ما يرسمه خيالنا من الأشكال و التكوينات، ولم أكن أعلم وقتها أن هذه اللعبة ستكون مفتاح مستقبلي و سر ما وصلتُ إليه الآن.

كان الاحتفال بيوم ميلادي مهرجان عائلي قبل سن الثامنة و لم يكد يمضي احتفالي الثامن بيوم ميلادي حتى بدأت ملامح حياتنا تتغير شيئاً فـشيئاً ، فـلم نعد نسكن ذلك البيت المهجور في تلك البلدة البعيدة عن ملامح الدفء والحب الخالية من الزيتون ورائحة البرتقال ، و عُدنا نسكن ضمن وطن لم أستوعب حال وصولي إليه أنني اليوم في وطنٍ تحرسه حماية الرحمن، كفٌ في الحياة و الأخرى على ضفاف الموت.

و في السنة التاسعة كنتُ وحيدة منعزلة يصفني الجميع بالهادئة، وفي الحقيقة كنتُ أهابُ الناس فقد تبدلت الأجواء حولي و أصبحتُ في مدرسة أرى فيها جنساً آخر لم أعتد أن أراه في مدرستي الأولى.

و على القدر القاتل من الهدوء الذي كان يسكنني إلا أنّي كنت اختلق المشكيلات مع الصبية حين يتعلق الأمر بحليفاتي حنين و رنا - تستطيعون القول حزبية طفولية - و لم أكن أعلم أن هذا التحزب سيكون سبب دائنا و تفرّقنا.

و ما إن تجاوزت سنة بعد عقدي الأول و اعتدتُ على ما اعتدت عليه حتى تسلمتُ مقعد جديد في مكان آخر ، و تآلفتُ مع آخرين غير الذين ألفتهم و أحببت صُحبتهم ، ورغم حبي للتجديد إلا أن وفائي لذلك المكان كان يجعلني في شوقٍ دائم له، وما لبثت أَتِيهُ حتى رفّت نسماتٌ آنست وحشتي، فأشواقي ما عادت تتضارب حائرة وحنيني إلى الماضي أضحى مجرد آيةٍ لا تُنسى، و شقائي بالدعاءِ أصبح سعادة غامرة، فتعلقتُ بتلك الأيام حتى شدّت قبضتها على قدمي.

و ارتديت ثوب الحيرة في السادسة عشر فقد اقتربت ممّا أسمّاه الجميع عنق الزجاجة وجلست على أعتابها تصيبني بعض كآبة وإحباط وقليل من حذر، وارتقبت بشغفٍ نهايةً ترسم بداية خطاي الجديدة، فرافقتني آلاء ونِعَم، ودِنت لربي ديناً فقد أغاثني بالدعاء و الرجاء، ووهبني زمرةً رصّعت تاج أفكاري - بيسان - ، فتمنيت أن لا أمضي بعيداً حتى لا يتملكني إحساس الغريب، ولكنها الحياة تمضي على عجل فلا وقت لتمتص صدماتنا وكل الوقت لتداوي جراحنا.

و في الثامنة عشر كنت أحبو خطوتي الأولى في طريق حلمي، و رغم قلة استعدادي لمواجهة مجهولٍ أهابه إلا أنّ أديم الأرض أهداني بعض الحنان و الهنا، و أمطر أيامي بعد رُونَتَها لأصير ذات نظرةٍ متأملةٍ رانية ، وأهداني هديل الحمام وألان تَهَيُبِي من القادم حتى أحالني أميرة أمري.

وحين بدأت أخوض بحور الشكل، تبسم ثغر الأيام حتى اشتد بياضها، ثم قست فتجبّرت حتى اشتد سوادها، فتملكني تحدٍ يبدد أوهامي بالعجز ويدفعني لمواصلتها رغم عثراتها، فموسم الغيد والرخاء تجلى أوانه وتفتحت زهرة ملهمة ساحرة أعادت لي إيمان طفلٍ بالحُلم فأنعشتني وبثت بي الحياة من جديد لنعش سوياً صابرين شاكرين، ونلمح ذاك النور في منتهى طريقنا.

و ذات يوم في سنتي الأولى بعد العشرين أقبلت حكايات تعلّمني كيف تدنو منّا هبات الله التي تفوق السها حتى يتفكر بها أولي الألباب والنهى، كيف تشرق أعماقنا صبراً حتى تجد سبيلاً للهدى والحمد، فتعزف لقلوبنا ترنيمة المجد و ترسم لأرواحنا بسمة حبٍ وسعد.

حكاية أورثتني ندم ظنٍ يُسبب ظلم نفسٍ بغير ذنب فيُعلّم الشقاء، وتعريفاً جديداً للتواضع و الغرور عند الاجتماع، علمتني كيف لصبرٍ و انتظارٍ أن يصنع بشائر الحلم، كيف تفصل لحظات تفكيرٍ عميقة أملاً عن ألم، و كيف لرأيٍ سليم أن يلون طيفاً و يترك أثر ...

أما اليوم فقد أتممت اثنين و عشرين عاماً ووجدت من يشاطرني فرحتي فنعلو سوياً نحو نجمة يانعة نطلب منها أمنية، لا نطمع في الزيادة ولا نطلب الجمان واللؤلؤ، نطرق أبواب الحُلم بنظرةٍ باسمة نبحث عن راحة البال وعن نهاية زاهيةٍ ملؤها الخصب والندى.