تلوح في الأفق بدايــــةُ نهايـــةٍ ... لم أعرف لها بدايــــةً بَعْد ، خوفٌ من رحيـــــــلٍ مؤكد ...و حلمٌ هـــــــــاربٌ يخشى الوَأد ، خيط يربط خوافقنا ... و نخشى أن يقطع وصلـه التنافر و البُعْد ، أيصبح عهدنا تذكاراً ، و هل يجدي مع المبـــــعدين عَهْد ؟!
يفر من العتابِ حنيننا ، و يطـــــارد ذكرياتنا راهباً على وَقْد ، يضيق الدرب فينا ، تداعبنا الحكـايا ، و يطرق أبوابنـا العناد والسُهد ، نقاوم نفي ريحٍ تعبثُ في مصــــــائرنا و يبدو أنها لنا كالقَيْد
حيارى ... لا مـلاذ لنا سوى صبرٍ و ترقبٍ و احتمـــال وَجْد ، نخشى انهيــــار سقف مودتنا لذا نلملم ما تبقى لنا من وَعد
و من أول يومٍ في لقائنـــــــــــــــــا سيبدأ تنازليــــــاً العّـــــد
حين تخطو قدماك كلية العمارة و تبدأ تحديد ملامح مستقبلك فيها ، سيكون الدرس الأول الذي ستتعلمه - في مساق تدريب بصري - هو أن ترسم دائرة الألوان دون أن تعرف لذلك أي أهداف أو جدوى ، و لا عليك حينها سوى الامتثال و الطاعة ، عليك أن تكون رمادياً حيادياً مطيعاً ...
لعلكم تستغربون من وصفكم حينها باللون الرمادي !
اللون الرمادي لون كما تعلمون ينتج مانعاً أحد اللونين - الأبيض و الأسود - أن يطغى أحدهما على الآخر حين التمازج ، يصف لانقاء الأبيض و نقاء الأسود معاً ، مسالم بطبعه ، سلبي أغلب الأحيان ، صمته يَقْتُلُهُ و يَزيدُ اتزانه و يوهم الجميع برضاه ، يرافق أي لون دون أي اعتراضٍ - أي يتقبل الآخر - إن عدم وجود هذا اللون في دائرة الألوان يجعلني في رضا تام عنها لأن كل لونٍ فيها يعبر عن صفةٍ غير الحياد ، فدفء الأحمر و حساسية الأزرق و تفائل الأصفر و فخامة البنفسجي و ثورة البرتقالي و هدوء الأخضر و عذوبة الوردي و حزم البني كلها تمنحني الحياة .
اللون الرمادي أكرهه جداً و يستفزني جداً لكنه يشبهني فكم أرى فيه نفسي !!
اعتدنا أن ندرس بأسلوب معين في مؤسساتنا التعليمية، اعتدنا على أسلوب التلقين ، عودونا أن نتشبع بأفكارهم و أن نتأثر بآرائهم دون أن نشعر ، لا أحد أعطانا حرية التفكير إلا بعضاً منهم - من أحمل له من الامتنان و الشكر الكثير- ، فهم من سمحوا لنا أن نحلل و نناقش و نستنتج ...
…
و هذا المقالالذي تذمرت كثيرا حال طُلب منا كتابته و كنت من أشد المعارضين له مضموناً و توقيتاً ، ربما لأني - كما البقية - لم أعرف هدفه و مغزاه قبل البدء بالكتابة و قد تعمد معلمنا هذا ، إذ أنه أراد معرفة ارتباطنا بالعمران دون أي افتعال أو تزييف أو ادعاء منا لنيل رضاه فقط ، إنه أراد أن تكون النتيجة التي سيصل إليها تحمل مصداقية و شفافية رغم قسوتها .
انه حرر تفكيرنا ، و احترم مشاعرنا الإنسانية و إحساسنا ، جعلنا جميعا نعبر عما يجول بخاطرنا ليعرف مدى ارتباطنا بالعمران و كيفية تعاملنا مع الشارع ... مع الساحة ... مع الحي ... مع المبنى .
انه أراد ترسيخ مفهوم احترام الإنسان و زيادة ارتباطه بالعمران و إحساسه بروح المكان بطريقة ذكية غير مباشرة و هي أن يقرأ الشخص فينا ما كتبه البقية و يرى مدى تأثير اندثار بعض ملامح الشوارع و المساكن علينا و يشعر كل منا بخطورة إهمالنا لهذا الارتباط و استهانتنا به .
و هذا ما كتبته أنا و كل الشكر لمن أعطاني هذه الفرصة ....
فَلَمْ اَشعُرَ بِقوةِ لَهفَتِي ،وكِبَرِ أَلَمِي و حَسْرَتِي ، إلا حِينَ خَرَجتُ من مَنْزِلِي بَعْدَ أنْ وضَعَتْ الحَرْبُ أَوزَارَهَا أَتَفَقَدُ مَدِينَتِي و الطّريقَ التي لطَالَمَا وصَلتُ من خِلالِهَا إلى مكَانِ إقَامَتِي و لكن وَقَعَ بَصرِي عَلَى بَقَايَا أَحْجَارِ مَسْجِدٍ كَان بالقُربِ من بَيتِي ، فَلَاحَ لِي طَيْفُ صَلاتِي و أَنَا في ذاك المَسجد و شَعرت بحقدهم على ديننا و أدرَكْتُ سَعْيَهُم لإبْعَادِنَا عن عقيدتنا التي في فًحْوَاهَا قوتَنَا و ضَعْفَهُم ....
سَمعْتُ تَجَاربَ و قِصَص الضّيَاعِ عن قتلِ الحَجرِ ، عن قتلِ البَشَرِ، فَقَالَ الذين فَقَدْوا السكَنَ انَه فُقْدَانُ الوَطَن و لَخَصُوا تَجْرُبَتَهُم ما بَيْنَ آلَام و صَبر و أَمَل ، عَيْنٌ لا تَرَى إلا الأَنِينَ إذَا اشْتَعَلْ ، وفَمٌ يُرَدِدُ بَعضَ أَبْيَاتِ الزّجَلْ ، و سَألْتُهُم مَاذَا عَن الأَثَر قَالُوا : أتَسْأَلنَا عَن الأَثَر !!
اومَا ترى الرُكَامَ الجَمِيلَ الذِي زَوَدَ هذه المَدِينَةَ بِمَعَالِمٍ جَدِيدَةٍ تَترُكُ للأَجْيَالِ القَادِمَةِ ..
و ما لَنَا إلا أن نَنْتَظِرَ عَدَالَةَ السّمَاءِ لتَمسَحَ البُؤسَ والشَقَاءَ مِن أَعْمَاقِنَا و تُحَقِقُ كُلَ أحْلَامِنَا و تُرجِعُ أًشيَائَنَا الضّائِعَةِ ، وتُغْدِقُ عَلَينَا من العَدْلِ و الأَمَانِ .
قَدْ يَتَسَاءَلُ البَعْضُ عَمَا يَجْنِيهِ المُدَونونَ مِنْ تًدْوينِهِم ، و قَدْ يَسَتَاءُ القرّاءُ من كْثْرَةِ عَدَدِ المُدَونينَ الذين أَصْبَحُوا يَرَونَ التّدْوين مَنفَذاً وَحِيداً لِعرض مَشَاكِلِهم و أَفكَارٍهم و فُرصَةً لِعَرضٍ تَفَاصِيلَ حَيَاتِهم التي تُخْفِي وَرَائَها كَبْتاً لا يَنْتَهي ...
و قًدْ أًكون أحد المُدَونِين الذين لا يُتقِنُونَ الكِتَابَة بِقَدْرِ مَا يَحِقُ لَها مِن الإتقًانِ ...
و عَلَى قَدْرِ طول الوَقْتِ الذي رَافَقتُ فيه القَلَمَ و الوَرَقَةَ إلا أنّي كُنْتُ أُؤثِرُ أن يَبْقَى في طي النسْيَانِ يَحْجِب التجْرُبَةَ و الإحسَاسَ عَن أَحْدَاقِي و أَحْدَاقِكُم ، حَتى أَنّي عنْدَمَا كُنْت أَقرأُ مَا كَتَبْت لَم أكنْ أٌصَدِقُ أنّي مَن كَتَبْ ، و لكني رَأيتُ في أًقْلامِكِم أَثَراً لنْ أسْتَطِيعَ اقْتِفَاءَهُ إلا حِينَ تَعْبُرُونَ صَحْرَاءَ أورَاقِي ،،
فأورَاقِي بَاهِتَةٌ فَارِغًةٌ إنْ لمْ تُرْنو منها عُيُونُكُم ، مُمْتًنًةٌ إنْ مَنَحْتُمُوهَا بُرْهَةً من وَقْتِكُم ...
عَلّي بدأت بهذه التدوينة لأجد لنفسي مبرراً للبوح هنا ...