الثلاثاء، مايو 24، 2011

رحلة صباحية لأغراض تفقدية أم عبثية

أصعب الوقائع تصديقاً هي التي تُحاكي واقعاً يفوق أبعاد الخيال ، حيث يصبح المشهد فيها يفوق مشهداً تلفزيونياً أعدّه كاتب ليصف به السلوك الحقيقي للبعض الذي يعكس حاجتهم الملحة للمساعدة أو يصف على النقيض من ذلك ثقافة البعض الآخر في التسول و على الرغم من عشوائية الإخراج و التمثيل و غياب حرفية النص المكتوب لما يحدث إلا أنهم أبدعوا ترتيب تسلسل رحلة صباحية بحثية يمارسون فيها دون تخطيط أو شعور دراسة تتابع عمراني يعنيهم فيه أيقونات بصرية ترشدهم إلى ما يبحثون عنه ودعوني قبل متابعة رصد ذلك السلوك أن أعرف الحيز المعماري الذي يقصده أولئك البسطاء و هو عبارة عن سلسلتين من البنايات المتلاصقة تتقابلان فيما بينها و يفصل بينهما شارع وعلى طول هذا الشارع تجد شريط تجارياً حيوياً ربما يجعل لرحلته أغراض سياسية ممتعة أخرى .

و على اختلاف وسيلة المواصلات التي يستقلونها إلا أن الوصول واحد ، فالجولة تبدأ حينما تستقبل إحدى الأرصفة عربة و يكمل النازل منها البحث عن ضالته ضمن منطقة وصفها له البعض بالتكدس المؤسساتي الإغاثي ، ويستخدم كل عنصرٍ من عناصر النسيج الحضري الموجود كإشارة يستدل فيها السائل عن هدفه المقصود حتى لا يمضى في الاحتمالات طويلاً، فيبدأ محاولته في كشف و تقصي أماكن تلك المؤسسات بسؤال أحد المارة أو الباعة عن مسجد أو بقاله أو مطعم أو برج معروف يجاورها حتى يستطيع من خلاله تحديد مكان المؤسسة ضمن سياقها المعماري على أمل أن يجد ما يُعيله على أمور الحياة.


ممارسات معمارية بالقرب من المؤسسات الإغاثية


شمسٌ حارقة، هاتفٌ محمول ينتظر أمراً بممارسة بيع متعلقات مؤقتة قد لا يعود معظمها للبيت، أمرٌ أثار لدينا الدافع للتعاطي مع مثل هذه الظاهرة لمعرفة حيثيات وجودها .

ما الذي يجبر هذا الطفل على إشغال حيزٍ يشوه المشهد المعماري المجاور لإحدى مؤسسات المعونة ؟


وهنا يفاجئنا تناص عدسة الكاميرا مع الصورة السابقة موضحاً معنى أن تكون امرأةٌ عجوز لم تستطع أن تترك طفلين من أطفالها - في منزلٍ بارد- أن تشغل بعربتها حيزاً مكانياً يقابل إحدى المؤسسات تلك، تنتظر فرجاً قريباً يجعل من حياتها حياةً أفضل أو يسد جزءاً من رمق أطفالها الجوعى، ربما لا تعطي اهتماماً لما ترى حولها من عشوائية العمران و تشوه الشوارع بازدحام يكاد يجعل الشارع نهايةً مغلقة لا يمكن تجاوزها.

لماذا تقطع عجوزٌ قارب عمرها قرن تنقصه بضع سنين هذه المسافة كل يوم ؟

و تكمل مسيرها ضمن مشهدٍ معماري ألفته كأنها تعاتب البائعين الحاصلين على ما لا تستطيع حيازته هي رغم حاجتها الملحة له.

ربما عليها أن تكون أماً عاملةً في تجميع ما يُقيت أبنائها الجوعى مستخدمةً عَرَبة بدائية تعيينها على حمل ما جمعت وإيواء أطفالها المؤقت ريثما تكمل ممارستها المعمارية في البحث والتنقيب .

بائعون يتخيرون أماكن اصطياد زبائنهم اليوميين لأنهم جمعوا في أحيزتهم الفراغية سمة مميزة، كونهم استطاعوا أن يشغلوا حيزاً خاصاً ضمن المشهد المعماري العام الذي جعلهم في منطقةٍ تتوسط مكان عبادة يرتاده الناس خمس مرات يومياً و مؤسسة يرتادها البعض كل صباح .

فوضى عارمة تجعل من مفردات الشارع منتجاً فراغياً مشوهاً يحمل سمة لم يستطع أي شارع آخر - يخلو من تلك المؤسسات - أن يحملها .

فهل ستبقى الفوضى و القذارة سمةً مميزة لتجمع الناس في أماكن مزدحمة ؟!


لم تستطع عدسة الكاميرا ثني أطراف الحقيقة أو غض الطرف عن أولئك العاملين في مجال البحث والتسول دون معرفة استحقاقهم لما يطلبون أو عدمه مستخدمين كل وسائل استجداء العطف وأهمها الأطفال.

كالمتشبث بالحياة يخاف أن يفلت ما استطاع حيازته فيبقى يُصارع الحياة متجاهلاً ما يرى من النسيج العمراني.


بابٌ مفتوح وعيونٌ تنتظر إذناً بالدخول علها تجد المراد منكرةً كل ما ترى حولها من مشاهد معمارية مألوفة يعيشها الناس كل يوم وتتجاهل تلك المؤسسة التعليمية المكتظة ومبانيها العالية.

عملٌ آخر يساعد به هذا الطفل أباه، فضيق العيش جعل من هذه العربة مصدر رزقٍ لهما يجمعان فيه ما طُلِب منهما جمعه وإيصاله إلى حيث أشخاصٍ ملّوا الانتظار أو لا حاجة تجبرهم على المكوث هنا .

شاهدةٌ على آمال بسيطة.تجمع بين وسيلةٍ بدائية ووسيلة حديثة، تعرض تناقضات تطرح تطبيقات ميدانية غريبة.

و تحت رحمة البعض ينتظر البعض الآخر خارجاً.